كنت قد بدأت في الجزء الأول من موضوعي هذا بمجموعة من الأخلاقيات، والقيم التي يمكن للإنسان أن يتخلق بها ؛ لينهج منهجه الصحيح في الحياة فيبدو كالنجمِ متألقا ساميا فيضفي الجمال بلونه اللامع بين من حوله .
وسأعرض جزءها المتبقي كالآتي :
أولا :ابتسم ،فالابتسامة هي التي تحمل بين جوانبها الصدق ،فتكون نابعة من صميم القلب ،البريئة من كل ما يمكن أن يشوبها من أدران الكذب ،أو الخداع ،أو المجاملات الزائفه، فهي بمثابة المفتاح السحري لقلوب الآخرين دون استئذان .
وأرى من حسن الخلق أن تكون مبتسما ، تتميز بروح الدعابة والمرح بين أصدقائك ،وزملائك ،أو ضيوفك، وأسرتك وأبناءك مهما كانت الظروف ، فغيرك لا يعلم ما تمر به من أحزان ومتاعب ، فتُفجر همومك غاضباً عليهم دون أي أدنى مسؤولية يتحملونها كما يفعل البعض، فالكل لديه ما يكفيه وزيادة من مآسي الحياة ومشكلاتها ،ليس لديه الاستعداد لتحمل متاعب غيره ، فالخير لك أن تتأسى بحبيبك الهادي الذي ما رأوه أصحابه إلا متبسماً .
فكسب قلوب من حولك في نظري لا يتأتى بالمال أو بالقوة ، أو بالماديات بل بالمعنويات ، وإن تأتت فإنها زائلة بزوال بالسبب ،ولا يبقى للود أي أثر يذكر.
فكن جميل الطبع ، خفيف الظل ، ولا تزعج الآخرين بثقل دمك ، وكن سمح الوجه ، فالوجه البشوش شمسٌ ثانية تشرق لتدخل البهجة قلوب الآخرين ،وأنا أقل لك جدد نفسيتك بابتسامتك ،واجعل روحك حيوية وايجابية ؛لتحُل متاعبك بوجهٍ سليم ، وتذكر دائما أنك بابتسامتك تكسر حواجز متينة في علاقاتك مع الآخرين قد يحتاج غيرك فترة ليست بالقليلة لضبط تلك العلاقات .
ثانيا : احترام العمل : وهي مسؤولية،وقيمة أخلاقية دينية تنبع من ذات ديننا الحنيف قبل أن تكون قيمة حضارية ووطنية سامية ، فهي تحتل درجة رفيعة ليس لأنها ترفع صاحبها فحسب ، بل ترفع وترقى بأمم وأوطان ؛ لتبني حضارات راسخة ، ومتأصلة الجذور ، فالأمر أعمق مما نتصور ،وأكبر مما نعتقد .
واحترام العمل لا يقاس بحجمه بل يقاس بمضمونه وماهيته ، وبمعنى توضيحي آخر هو أن العمل أيا كان صغيرا أم كبيراً ،وممن كان مصدره فهو محترم ، فينطوي تحت مفهوم العمل كل عمل أخلاقي يمارسه الفرد داخل إطار مجتمعة حتى الزوجة في منزلها ، والطفل في مدرسته مثلا .
وعلى كل عامل ضبط عمله على الوجه المطلوب ، من اهتمام، وتنظيم ،وإتقان ،وكل ما يمكن أن يُمارس في محيط العمل نفسه ؛لأنه في النهاية يعكس شخصيته ومقياس لمدى تحضره، ورقي فكره .
وكم نحن الآن وفي زمن كهذا بأمس الاحتياج إلى وجود قيمة ثمينةٍ كهذه تنبض روحها بيننا ؛ لتكون سمة لمجتمعٍ راقي بسلوك أبناءه ، وأنا أراهن لو أن كل فرد رسخ في ذاته ، أو ربى نفسه على احترام عمله لما ظهرت تلك الظواهر الأشد سلبية على مجتمعاتنا العملية والاجتماعية ،مسببة الفوضى ، كالتسيب ،والمحسوبية، والرشاوي التي لا مكان لها في قاموس التحضر والتمدن ،والرقي .
فاعلم عزيزي دائماً ، أنك بقدر ما تعطي يمكن أن تأخذ ، واحترامك لعملك هو تقديسا لدينك ،وولاءك لوطنك ،واحتراما لذاتك .
ثالثا :القناعة، وهي إحساسك بأنك تملك العالم بأسره بما لديك لتعيش السعادة في حدود المعطيات التي بين يديك ،وأنت في أتم الرضا بما كتبهُ الله لك دون أي اعتراض ،لا يزعزعك إيمانك القوي أنك أفضل بكثير من غيرك ؛لأنك ببساطه لا تنظر إلى من هو حافيا وإنما تنظر إلى من بترت ساقاه . ولولا القناعة لما رأيت الفقراء ،والبسطاء يعيشون بيننا دون أي تذمر أو تشكي، هل تعلم لماذا ؟
لأن الشكوى تضيق على الإنسان حاله ، وتؤرق نومه ، ولأنهم اتخذوا من التفاؤل ،والصبر سمة لقناعتهم ،ورضائهم بالقدر فيرقون إلى عالمٍ أفضل ، فالحياة ساعة تدور لتحولنا مع تحول الزمن ،فلا نبقى على حال واحد طال الزمن أم قصر، فدوام الحال من المحال .
وأخيراً :ثقتك في نفسك طريق نجاحك ،ومعنى الثقة بالنفس هي أنك تعلم من أنت ،وفي ماذا تفكر، وتُنفذ كل ما تفكر به ؛لتحقق النجاح الذي تصبو إليه بإرادتك ، والثقة هي أنك تكون على أتم الاقتناع بقدراتك ومهاراتك ، محترماً ذاتك ، ولا تحقر من نفسك وإن أخطأت فتنعتها بالغباء والحمق ؛ لأنك لن تتعلم إلا إذا أخطأت ، فالنجاح خطوة دائما يسبقها فشل .
وليس الغريب أن تصادفك مواقف مع أشخاص ، أو أفراد يحاولون إضعاف همتك ، وإحباط نشاطك ،وإثناء عزائمك عندما يرونك متقدماً ، فكلما ازدادت نجاحاتك كثر حسادك كما هو معروف ،فاعلم أن ما أولئِك إلا أناساً فشلة تدب فهم الغيرة ؛ لتكون في أدنى المراتب و لا تحقق الأفضلية ، فأولئك لا ينظرون إلا إلى أخطائك ، ويحاولون أن يذكرونك دائماً بها فكما يقال (غلطة الشاطر بمليون) فهم لا يلتفتون إلا للجزء الفارغ من الكأس ،والجزء المملوء يتناسونه ولا يعيرونه أي اهتمام .
وأما أنت عزيزي ما عليك إلا أن تكمل مسيرة ما بدأت به ، ولا تلتفت خلفك ولا ما يُثار حولك من حديث ،وهل يضر السحاب نباح الكلاب!! ولا يكن كلامهم بمثابةِ القشة التي تقصم ظهر البعير ، فلا تستمع لهم وتتخذهم حجر عثرة في الطريق أمامك، وكن مشحون الهمة ، كلما بلغت قمة ارتأت لك قمة أخرى لتسمو للعُلا